مركز دراسات الترجمة

أضواء على الترجمة العربية والإنجليزية - مركز دراسات الترجمة بمؤسسة روزيتا

معالجة بعض جوانب التمييز والعنصرية في اللغة الإنجليزية

ظهرت فى اللغة الانجليزية اتجاهات حديثة تقضى باختيار ألفاظ معينة عند الحديث عن بعض فئات المجتمع، وهى اتجاهات فرضتها قوانين منع التمييز والعنصرية فى إطار تفعيل دور اللغة فى هذا الصدد. وقد تألق دور اللغة فى ترسيخ أسس ومبادئ تلك القوانين لدى العامة من خلال اللغة التى يمارسونها فى مجالات التأليف والبحث والترجمة، أو من خلال القيود اللغوية التى فرضت مؤخراً على وسائل الاعلام والصحافة فيما يتعلق باستخدام الألفاظ والعبارات المحايدة وتجنب الألفاظ والعبارات التى كانت شائعة قبل سن القوانين المذكورة وأصبحت مع مرور الوقت غير لائقة وغير مقبولة، وأصبح الكثير ممن خالفوا تلك القوانين معرض الآن للإعفاء من وظيفته أو لتجميد عضويته فى الجمعيات المتخصصة فى الدول التى تولى اهتماما خاصا بتلك الجوانب فى اللغة.

وسوف نتناول فيما يلي بعضاً من تلك الاتجاهات التى يبرز فيها دور اللغة الانجليزية فى معالجة قضايا التمييز والعنصرية، وذلك فيما يتعلق بتحييد الجنس والحديث عن ذوى الإعاقة واستخدام جديدة لوصف السود والأجانب.

تحييد الجنس:

استخدمت في اللغة الإنجليزية القديمة بعض الكلمات التي تعكس بعض التحيز لجنس الذكر مثل fireman، weatherman ، postman وكان ذلك نتيجة للانطباع القديم بأن الرجال وحدهم يمكنهم شغل بعض الوظائف أو أداء أدوار معينة قد تعجز عن أدائها النساء. أما الآن فقد تغير هذا المفهوم وأصبح هناك ميل متزايد لتفادي مثل هذا التحيز، وهو ما يعبر عنه بالحركة النسائية "feminism"، كما استحدثت طرق مختلفة فى الكتابة للتغلب على هذه المشكلة مثل :

1- استخدام الكلمات التى تخلو من كلمة "man" وتعبر عن كل من الذكر والأنثى معاً في آن واحد دون تحيـز للجنـس المذكر مثل "fire-fighter"  بدلاً من fireman، و "meteorologist" بدلاً من weatherman، و "letter carrier"  بدلاً منpostman ،  إلخ.

2- استخدام الضمير المذكر والمؤنث معاً "he / she" بدلاً من استخدام ضمير المذكر فقط “he” للتعبير عن كلا الجنسين، وتستثنى من ذلك الحالات التى توجب استخدام الضمير المذكر، وهى الحالات التى تتناول – مثلا – واجبات الأب تجاه أولاده، وما إلى ذلك. وتستثنى من ذلك - في المقابل - الحالات التي يرد فيها الاسم بصيغة المؤنث تحديداً وتستوجب بالتالي استخدام الضمير "she"، كأن يأتي في النص العربي - مثلاً - كلمة "طبيبة" أو "مهندسة" أو "عاملة"، الخ. وفي هذه الحالة يضاف عند الترجمة لفظ "female" قبل الاسم مثل female doctor أو female employee، إلخ على اعتبار أنه لا يوجد في اللغة الإنجليزية ما يفيد التأنيث للكلمة مما يوجب إضافة لفط female لغرض التمييز.

3- كتابة الجملة بصيغة الجمع تفادياً لاستخدام ضمير به تحيز للجنس المذكر، أو تغيير صيغة النص كليا للتخلص من كافة الضمائر الموجودة به، إلخ.

وعلى الكاتب أو المترجم مراعاة الطرق السابقة لتفادي التحيز للجنس عند الكتابة باللغة الإنجليزية أو الترجمة إليها بحيث تكون أعماله صحيحة ومواكبة للاتجاهات الحديثة في هذا الصدد. وينطبق ذلك على كافة أنواع النصوص تقريباً فيما عدا النصوص القانونية التي مازال يقبل فيها استخدام جنس المذكر بصرف النظر عما إذا كانت الوثيقة المحررة أو المترجمة تخص حقوقاً والتزامات للرجال فقط أو لكل من الرجال والنساء، وذلك استناداً إلى قانون التفسير البريطاني "British Interpretation Act" الصادر عام 1978 والذي ينص في أحد بنوده على أن الكلمات التي تميز جنساً معيناً تشتمل على كل الأجناس، وينص في بند آخر منه على أن الكلمات التي تفيد معنى المذكر تشتمل أيضا على معنى المؤنث.

ويتفق قانون التفسير البريطانى مع الاتجاهات التى تقضى – وفق أصول اللغة العربية – باستعمال صيغة المذكر للتعبير عن كل من المذكر والمؤنث مثلما يحدث عند كتابة بعض الوظائف مثل أستاذ، ومندوب، ومحام، وباحث، ورئيس، ووكيل، إلخ، وأيضا بعض الرتب العسكرية مثل ملازم، ونقيب، ورائد، إلخ.  ومع ذلك، فهناك خطأ شائع وهو كتابة وترجمة تلك العبارات بصيغة المؤنث، مثل أستاذة، ومندوبة، وملازمة، ونقيبة، إلخ، وجميعها بالطبع عبارات خاطئة رغم شيوعها ليس فقط بين هؤلاء غير المتخصصين فى اللغة وإنما أيضا لدى جهات رسمية تعنى – للأسف – بتدريس مناهج اللغة وتعتمد لديها الترجمة العربية والانجليزية وغيرهما من اللغات الأخرى.

الحديث عن ذوى الإعاقة:

هناك قواعد وأصول معينة يجب مراعاتها عند الحديث عن ذوى الإعاقة بأنواعها المختلفة، أو عند تناول شئونهم بالبحث أو الكتابة أو الترجمة. وفى بعض البلدان مثل الولايات المتحدة كانت تلك القواعد والأصول متروكة لتقدير المتحدث أو الكاتب أو المترجم، وكان له أن يعمل بها أو يتجاهلها حسب ظروف الموقف ومقتضياته، إلى أن صدر فى الستينيات قانون يسمى disability Act لتفعيل تلك القواعد والأصول ولمعاقبة من يخالفها سواء بالاقالة من الوظيفة، أو بالاجراءات الأخرى التى اشرنا إليها سابقا. وقد جاء ذلك تجسيداً لحرص الدولة هناك على مبدأ المساواة وعدم التمييز والتفرقة لفئات معينة من المجتمع، وعدم المساس بقدراتهم على العمل والانتاج والبناء أو التشكيك فى تلك القدرات، حتى وإن كان ذلك من خلال الكلمات التى يتعامل بها الناس معهم.

ومن بين القواعد التى تناولها القانون المذكور ما يلى :

  1. يجب استخدام لغة "People First" عند الحديث عن ذوى الإعاقة، كأن نقول مثلاً person with disability بدلاً من disabled person، أو نقول man who has autism بدلاً من autistic man، حيث تكون الحالة أقل التصاقاً بالشخص المعنى عندما تأتى بالحديث فى صورة "اسم" وليس "صفة".
  2. يجب أيضاً عدم الإشارة إلى ذوى الإعاقة بأنهم مرضى "patients"، أو ضحايا "victims"، أو مصابون ببلاء "afflicted" أو يعانون من مصيبة أو أزمة أو مشكلة "suffering from"، أو بغير ذلك من العبارات التى تنطوى على التضخيم والمبالغة وتدعو إلى الحزن والأسى والرثاء. والأفضل هنا استخدام عبارات أخرى مثل "a man with …" أو "people who have …"، إلخ.
  3. عند المقارنة بين شخص من ذوى الإعاقة وآخر طبيعى يجب ألا يستخدم فى المقارنة تعبير "normal" لوصف الشخص الطبيعى، مما يعنى أن المعوق هو شخص "غير طبيعى"، وإنما الأفضل استخدام عبارات أخرى مثل "typical" أو "person without disability"، إلخ. وقد ذهب البعض إلى أبعد من ذلك واقترحوا استخدام لفظ "non-disabled person"، وهو تعبير يتخذ من المعاقين أساساً مرجعياً "reference" للحديث عن غير المعاقين وكأن تلك الفئة الأخيرة تمثل أشخاصاً غير طبيعيين !!.
  4. يراعى فى وصف حالات معينة من الإعاقة اختيار الألفاظ التى لا تؤذى مشاعر الشخص المعنى أو من حوله واستخدامها كبديل عن ألفاظ أخرى صريحة قد تستخدم أحياناً بقصد الإهانة إذا ما وصف بها شخص طبيعى، فمثلاً يمكن استعمال لفظ emotional disorder كبديل عن mental illness، ولفظ visual impairment كبديل عن blindness، ولفظ hearing difficulty، كبديل عن deafness ولفظ Down syndrome كبديل عن mongolism إلخ. وينطبق ذلك ايضا على الألفاظ الخاصة بوصف أدوات معينة يستخدمها المعاقون مثل لفظ separate bus بدلا من special bus ولفظ accessible parking بدلا من handicapped parking، إلخ.
  5. وأخيراً يجب عدم وصف الأشخاص المعاقين بأنهم أبطال أو شجعان أو مهرة أو ذوى قدرات خاصة. إن تلك الأوصاف وإن كانت تبدو فى ظاهرها براقة ولامعة، إلا أنها تحمل إيحاء بأن الحالة التى يعيشها هؤلاء هى أقصى ما يمكن لبشر أن يصل إليه من شجاعة وبطولة ومهارة وقدرة، وأنه من غير المتوقع أن يحقق هؤلاء فى حياتهم ما هو أبعد من ذلك

الحديث عن السود:

فى الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية يتبادل السود فيها بينهم وينادون بعضهم بألقاب مثل "black" و "negro"، دون أن يكون الدافع لذلك هو التجريح أو الإهانة أو السخرية. ويكثر استخدام تلك الألقاب أو الصفات بين كبار السن ممن عايشوا ثورات السود وحركات الحقوق المدنية، واتخذوا من صفة الأسود (black أو negro) أداة ترتبط بانتصارات وانجازات وقيم سياسية واجتماعية تولدت عن تلك الثورات والحركات الإصلاحية آنذاك. ومع ذلك يرفـض السود هناك – كباراً وصغاراً – التحدث عنهم أو وصفهم بتلك الصفة (black / negro) عندما يكون الحديث من خارج تلك الطائفة، وتحديداً عندما يكون المتحدث هو شخص أبيض أو من المواطنين الأصليين فى الدولة التى يعيشون فيها.

وترجع أسباب رفض استخدام كلمة black إلى عدة اعتبارات لغوية ودينية وتاريخية. ففى اللغة الانجليزية هناك 134 مرادفـاً لكلمـة أبيـض "white" منها 124 مـرادفاً تحمـل جميعها معان إيجابيـة مثل pure، و clean، و chaste، و innocent، و just، و fair، و unblemished، إلخ، مع عشرة مرادفات فقط تحمل إلى حد ما معان سلبية أو شبه سلبية مثل pale، و gloss-over، إلخ. ومن ناحية أخرى نجد أن كلمة أسود "black" لها 120 مرادفاً تحمل جمعيها تقريباً معان سلبية مثل deadly، و foul، و wicked، و unclean، و obscure، دون أن يكون لأى من تلك المرادفات معان إيجابية أو حتى قريبة من الإيجابية. هذا فضلاً عما ورد فى بعض الأديان من اشارات تقترن فيها الملائكة باللون الأبيض والشياطين باللون الأسود، على افتراض أن الأسود هو شخص بلا حضارة ولا تاريخ، وأنه نشأ فى عصور بربرية سوداء لم يتمكن فيها من اكتساب مهارات أو خبرات أو قدرات عقلية وفكرية وسلوكية. وفى روايات "شكسبير" أيضاً تناول الكاتب موضوع مصرع "يوليوس قيصر" ووصف القاتل بأنه ذو روح "سوداء" أساسها القتل والموت، وكأنه يتخذ من اللون الأسود رمزاً لأعمال إجرامية تنطوى على الظلم والقهر واللامبالاة، وهو ما يتفق مع بعض العبارات المجازية العربية التى تصف – على سبيل المثال – شخصا مجرما بأنه" ذو قلب أسود" أو أن" أفكاره سوداء "، أو تصف يوما مليئا بأحداث حزينة بأنه" يوم أسود "، فى حين تصف – على العكس – شخصا طيبا كريما بأنه" ذو قلب أبيض "، أو تصف يوما سعيدا مليئا بالأفراح بأنه" يوم أبيض "، إلخ.

وهناك اعتبارات أخرى طبية أسهمت أيضاً في رفض استخدام كلمة black. فقد ثبت علمياً أن السود هم الأكثر استجابة للإصابة بأمراض معينة مثل ارتفاع ضغط الدم وسرطان الكلى، فضلاً عن أمراض أخرى يصاب بها الجهاز الهضمي للسود عند تناولهم الخمر بسبب نقص إنزيمات الجسم التي تعمل على تحلل الكحولات. وقد أطلق على تلك الأمراض تحديداً black diseases، وهي تعزى في المقام الأول إلى عوامل وراثية تتعلق بالعٍرق الأسود وتضفي بالتالي المزيد من الظلال القاتمة على لفظ black إلى جانب الاعتبارات الأخرى اللغوية والثقافية.

لقد كان لتلك الاعتبارات أثرها فى رفض كلمة أسود "black" وعدم قبولها بنوايا حسنة لوصف طائفة من البشر حباهم الله بهذا اللون. ومع استمرار هذا الرفض والإصرار عليه سُنت قوانين تمنع التلفظ بتلك الصفة فى غير المواضع التى وضعت لأجلها فى اللغة. كما بات لزاماً على الكتاب والمؤرخين والمترجمين والاعلاميين والصحفيين وغيرهم التقيد بمثل تلك الاتجاهات عند تناول شئون السود فى أى من مجالات الحديث أو البحث أو الدراسة، وأصبح اللفظ الشائع هنا هو "African-American"، بينما أصبح استخدام اللفظ الآخر المقابل "black" من السلوكيات غير اللائقة والتى قد تترتب عليها خلافات ونزاعات تدخل فى إطار التمييز العنصرى المحرم شكلاً وموضوعاً.

استخدام لفظ "أجنبى" أو "أجانب":

يرى البعض أن استخدام كلمة foreigner للحديث عن الأجانب يعد أيضاً من الأمور غير اللائقة، وإن لم يصل ذلك بعد إلى مستوى التحريم بقوة القانون. وقد بنى هذا الاعتقاد على حقيقة مفادها إن هذه الكلمة هى مرادف لكلمة stranger أو كلمة outsider، وكلاهما صفات توجب التعامل مع صاحبها بشئ من الحذر والريبة. وقد اقترحت فى هذا الشأن ألفاظ أخرى تحمل دلالات المنشأ مثل African، و Asian، و Indian، و Hispanic، و Pacific Islander، إلخ. ورغم أنه قد تم تفعيل تلك المسميات فى العديد من الأوراق الرسمية إلا أن استخدام كلمة "foreigner" لا يزال شائعاً بين العامة فى الدول الغربية وبلدان الشرق الأوسط، وهو استخدام لا يحمل بالضرورة أية معان سلبية على اعتبار أنه يخلو من تلك المعانى فى العديد من الألفاظ والأسماء المعتمدة فى اللغة الانجليزية مثل Foreign Affairs و Foreign Minister، إلخ.

دكتور / صلاح حامد إسماعيل

مركز دراسات الترجمة بمؤسسة روزيتا

راسلنا